الأحد، ديسمبر ١١، ٢٠٠٥

رائحة .....عطر


بعد ساعات طويله في الفراش حرمتني النوم خلالها ، ظلت روحها تطاردني كي انشر الحكاية ، وتحتل جزءاً من مدونتي ، كما احتلت جزءاً من عقلي ........ وقلبي
ابوشنب
رائحة ........ العطر....
رغم تعدد الصنانة في ربوع القرية بحر النيل ، زينب مقطاف ، يظل لنبيهه .... الصنـّة جاذبية من نوع أخر في الموروث الشعبي للقرية
ليالي الشتاء الطويلة لا تنقضي ..... كانت جدتي ( أتذكر شعرها الأبيض ذاك الذي كان يصبغ بالحناء فيستحيل إلى اللون الأحمر - لك أن تتخيل شعر بطلة الطاحونة الحمراء التي لا أتذكر أسمها الأن ) تفتح لنا كل مساء صندوق أحجايتها. يرن صوتها في أذني :متطلعوش يا واد من الدبيب .... تعالو انعسوا
نجلس جميعاً ( أنا وإخوتي وأبناء العمومة) تحت شالها الصوفي المنسوج ببراعة نستدفئ به من لسعات البرد وتبدأ الأحجيات تتوالى . لم تكن جدتي تعرف شيئاً عن الشاطر حسن أو الـجيرفريند خاصته وهم من كان يتسمّع إلى أخبارهم كل مساء أطفال المدينة.
كانت تبدأ الحكي :
أبدأ كلامي بالصلا عالنبي محمد الزين نبي عربي ...........
ويبدأ الأخوة في طلب الأحاجي كانت تحكي عن لقيّة الشيخ عزاز والحارس الذي يخرج كل مساء حتى لا يقترب أحد من كنوز الشيخ وكيف إستطاع الفارس أن يأخذ من كنوز اللقيه ويهرب بحصانه قبل أن يطرشق (ينفجر) الحارس.
يبدأ كل منهم في طلب أحجية يحبها.
.لكني لم أكن أحب حكايات اللقايا كنت اطلب دوماً أن أسمع عنها ...
نبيهه...... الصنّة
...................................................
يقول الراوي:
بيضا
والوش زي قرص بدر السما يضوّي الليل
شعرها من شعر ناعسة أطول
مجدول من عتمة ليل شتا طوييييل من غير لا نجم ولا قمر.
شمس بلدنا مكنتش تتولد من بطن السما .....
كانت ضحكة نبيهه لبلدنا شمس......
طلعة الفجر تشيل جرة الميه ....
تملاها من بحر النيل ....
وتدوّب في البحر سُكـّر ضحكتها ......
تسكر بلدنا أما تشرب من بحر النيل.
................................................
في طريقة الموردة يجلس كل شباب القرية ، حيث تبدأ أولى سطور حجاوي العشق في بلدنا .....
عرفت من جدتي في إحدى الامسيات الشتويه كيف سقطت جرتها العلاقي من فوق رأسها عندما إعترضها جدي - مبدياً أولى أمارات الهوي – فصارت قطعاً ( هي أم الجرة لا أدري الأن) من شقف الفخار الأخضر كما قلبها البكر.
كانت أمي تضحك كلما ذكرت الجدة ذلك .... فأبي كان يرتدي طاقيته الصوف الحمراء - تلك التي أحضرها من بلاد اليمن - قبل مغرب كل شمس مزهواً بها على شباب القرية ويجلس عند البئر الواقعة أسفل جميزة الجامع الكبير حين رأته أمي للمرة الأولى وهي تحمل جرتها المليئة بمياه البئر .......
تنظر أختي الصغرى الأن لصنبور المياه داخل منزلنا الذي تتساقط منه قطرات المياه بغيظ شديد
)

كان الجمع يجلس في طريق الموردة حسانين اب عبدالجليل (يمتلك أباه كرم نخل وساقية)
سليم اب عبد العال (لايملك شيئاً غير أن له لساناً رطباً بذكر الخلائق في جوف الليل عند بيت العمده)
وسعيد الميت ( اسموه ذلك لضعف شديد في بنيته)
يتوسطهم حمزه العايق الأبن الأصغر لعمدة القرية سعيد اب الحساني.

يتقاذفون فيما بينهم بلفافات السجائر وبسب الاباء والزمن الذي اوقع نطف أبائهم في أرحام أمهاتهم كي يولدو في هذه القرية الكالح ليلها بسواد سرمدي ..... يحكي لهم حمزة العايق عن ليل البندر وغوازي الليالي بدءاً من بنات مازن وصولاً إلى كـُوْكب التي قضى معها ليله كاملة أثبت فيها تفوق أبناء الجنوب في أمورٍ كثيره ....................................................

يبدأ سليم في التمايل مرددأ أغنية كنت أسمعها من نسوة القرية في ليالي العرس.
أول ما دخل
دخل عليها
كسر رجليها
واتكل على الله.
يضحك الجمع بينما تبدو على سعيد الميت نشوة لا يمكن لك أن تراها إلا على عريس في الصباحية.
يبدأ حسانين في الحديث ( يتكلم بقوه مع العايق حيث أنه سيرث عن أبيه كرم نخل وساقية ) : بطـّلّ لـَواكة وبلا وجع راس يا شيخ ، دا انا سمعت من الخواجه نان إن جلالة الملك بذات نفسه يطلب لها الرضا ترضى .... تقوم إتا تقضي معاها ليله بطولها .... إياكش تكون عرفت إن أبوك عمده ....
يبدأ حسانين ضحكة مجلجلة يهتز معها كل جسمة فتنتفض معها بقايا اللفافة المشتعله في يده وتسقط على سعيد الميت الذي تعلو وجهه علامات الغضب واقفاً ينفض جلبابه : ملك مين ونان مين تقدر تسكت ساكت يا حسانين أها اياك كده زي أبوك ما فيش حكايه الا اما تهبو فيها زي بابور الفتايل .......... وايه يعني لما واد عمدتنا يـِقضيّ ليله مع الغزيه دي اللي اما يقول عليها ... كنت تخبرها انت واللا ابوك .....
يجلس سعيد الميت بينما حسانين يشعل لفافته ثانية من بقايا لفافة تحرق ما تبقى منها على الأرض بجواره .... بينما تغرق المكان ضحكة تعرفها اذان القرية تأتي من الجهة الغربية متجهه ناحية موردة الميه ...... نبيهه ..... تتجه انظار الجمع نحو مصدر الضحكة مجموعه من صبايا القريه تتوسطهم نبيهه بطولها الفارع ووجهها الذي يشع بريقاً زي شمس نهار ...... يعاود حسانين شد نفس أخر من لفافته المشتعلة يبتلع معه كلمات كثيره بينما عينيه ترقب سرب الصبايا ..... يتكوم سعيد الميت في مكانه بينما يتحسس عضوه الذكري ..... تلمع عين حمزه بينما يتوقف للحظات عن التنفس كأنما خرجت روحه للتو بينما يبتسم سليم إبتسامه لا تستريح لها كثيراً : عاجباك البت يا عمدة
لا يلتفت له حمزة العايق بينما أنظار حسانين تودع غبار الأرض الذي أثارته أقدام الصبايا الحافية.
الميت : طيب ايه رأيك يا عمده ورينا جدعنتك مع نبيهه
حسانين : إخص عليك يا قليل يا واطي دي بتنا راحت ولا جات ، عيب حديتك ديه يا مجدم.
الميت : يخرب بيت أبوك يا حسانين قاصد الحلال باين راسك شخللت مع ورقة الدخان
سليم : فكركم العمده يرضى بالبت دي مرة ولده
العايق : يرضى ولا ميرضاشي .

حين جن الليل كان لسان بن عبد العال رطباً بذكر نبيهه لدى العمدة سعيد اب الحساني وكيف غوى العايق في فتنة نبيهه.
...........................................
في الصباح وُجدت جثة نبيهه مجزئة في أنحاء القرية ، الرأس وجدت طافية على وش البحر ...... تم تجميع ما تبقى من أجزاء جسدها...... ودفنت ضحكتها معها للأبد.
لم يعترض أحد من أبناء القرية ............مجالس القريه كانت لها نفس الرؤية لما حدث في حينه
: فتنة وغارت من البلد ......
: كويس إنها غارت .....
: أهي راحت في حالها ......
.......................طلب الكل السلامة.
............................................
تقول لي جدتي أن طعم الميه في بحر النيل ما عادتش زي الاول ...... راح منها طعمها الحلو.
...........................................
منذ ذلك الحين يطلع صن نبيهه لابسه كردانها البندقي وشعرها المفرود على كتافها ليل ..... تعترض طريق الصامتين من أبناء القرية في ليلها الطويل السرمدي في كل مكان خطت فيه يوماً.... كل مكان سمع ضحكتها .... كل مكان تشربت ارضه بدم القتيله..... كل مكان حوى جزءاً من أجزاء جثتها التي تناثرت في أنحاء القرية.
رآها حسانين تحت جميزة الجامع تمشط شعرها وتغني في ليلة شتوية باردة بينما هو عائد من الساقية.
رآها يحيى الجراب في طريق الموردة أكثر من مرة تضحك بصوتها المجلجل ويقسم أنه رأى أثر أقدامها في الصباح عند طلوع الشمس.
جدتي – نجيبة أم أمي - قالت لي مؤخراً أنها رأتها مرة ترتدي كردانها البندقى بينور زي قمر السما ليلة تمامه لابسه جلابيه كشف حمراء أجمل من كل من عرفت الصبايا .

أشتاق دوماً لرؤية نبيهه .... الصنة !!! .... من كانت تضحك ..... وتدوب ضحكتها في بحر النيل تشرب بلدنا عسل.
أخرج كل مساء أدور في دروب القريه وشوارعها علّى ألقاها ........ أسمع صوت ضحكتها ...... وأشوف شعرها الليلي.
...................................................
ذات ليلة جلست على عتبة الجامع القبليه ..... أمامي مباشرة بيت أبوالسعود اب طايع ... أنتظرها .... مضى وقت لم أدري ساعة من ليل أم ساعتين ..... حين رأيت خيال صبيه ترتدي جلابيه حمراء ..... ينسدل شعرها على كتفيها ممتداً نحو الأرض ...... كردانها يلمع كقطع من نجم السما العاليه ..... بخطوات وئيدة تقدمت نحوي ..... كان جسدي يرتعد .... لم أنا خائف الأن .... ألست أنا من ينتظر اللقاء منذ زمن بعيد ....... إقتربت مني أكثر ... كم يبدو لي وجهها مألوفاً ... هل عرفتها حقاً قبل الأن ..... ظلمها من قال أنها جميله فحسب ...... إبتسامتها فتنة للناظرين .... إقتربت أكثر وأكثر ..... قلبي زادت نبضاته أكثر وأكثر ...... إقترب وجهها من وجهي .... كانت أنفاسها دافئة كشمس الشتا ..... لها رائحة عطور متداخلة ..... تذكرت الرومبا .....أعطتني ثلاث رطبات وأشارت لي أن آكل ........ مالت نحوي وهمست في أذني بكلمات أتذكرها جيداً .... ورحلت.

في الصباح بينما يخرج شفيق الطحان لصلاة الصبح في الجامع وجدني مغشياً عليّ على عتبة الجامع القبلية ممسكاً بيدي اليمني ثلاث نويات بلح.
ثلاث ليال متتاليه مرت علي دون أن أتحرك أو أنطق ، أفقت بعدها ..... قالت أمي أن رائحة عطر كانت تفوح مني ....
لا أستطيع أن أحرك لساني أو أتكلم حتى الأن .

عند كل مغربيه توقد أمي النار وتبدأ في إطلاق البخور علّني أشفى من علّتي.

________________________________
الصُنّ العفريت أو الشبح




التسميات:

5 Comments:

At الأحد, ديسمبر ١١, ٢٠٠٥ ٣:٣٦:٠٠ م, Blogger Unknown said...

مقطوعة رائعة احنى لك رأسي احتراما
بجد ده مالوش غير مسمى واحد
ابداااااااااااااااااع
بس هي ايه الكلمات اللى همست بيها ف ودنك
والتي تتذكرها جيدا
تعرف انا جسمي قشعر
حكاية حلوة قوي قوى
تسلم يدك

 
At الأربعاء, ديسمبر ١٤, ٢٠٠٥ ١:٤٤:٠٠ ص, Blogger Emad Karim said...

من زمان وانا مستنيك ترسم كلامك علشان اقدر اعرف حلوة البلح واعشق نخلنا واحب بناتنا واترمدغ في ارضنا واحس بجمال كوم الضبع واهلها علشان يفضل شئ يفكرني بيها مهما طالت الرحلة
اخوك عماد

 
At الاثنين, ديسمبر ١٩, ٢٠٠٥ ٣:٠٩:٠٠ ص, Blogger hesterua said...

بجد روعة
فسحة مكانية وزمانية
وووووووو
بجد جميلة

 
At الخميس, فبراير ١٥, ٢٠٠٧ ٦:٣٧:٠٠ ص, Anonymous غير معرف said...

Cool blog, interesting information... Keep it UP » »

 
At الجمعة, مارس ٠٢, ٢٠٠٧ ٦:٤٩:٠٠ م, Anonymous غير معرف said...

That's a great story. Waiting for more. amelia's jacket Lasik+logo+design blondes cochonnes How to resin coat flowers

 

إرسال تعليق

<< Home

اسمع